وكذلك كان أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما أفضل من حال عثمان ، ومن حال علي رضي الله تعالى عنهما، وشيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة يقول: كل منهما كمل في جانب من الزهد -يعني: علياً و عثمان - فأما عثمان فكمل زهده في المنصب، فلما جاءه الثوار البغاة الظالمون المجرمون وتجمعوا عليه من الكوفة ، ومن مصر وغيرها، وأرادوا أن ينازعوه في الملك؛ كمل زهده فيه حتى إنه لم يطلب من الصحابة أن يقاتلوا، أو يمانعوا دونه، ولو فعل لقاتلوهم، فظلوا محاصرين له حتى اقتحموا البيت وقتلوه رضي الله تعالى عنه شهيداً، فكمل زهده في المنصب، واختار أن يقتل، وأن تذهب الخلافة، ويفقد منصبه، ولا يقتل أحد من المسلمين دونه، ولا تراق دماء المسلمين دونه.
ثم يقول: وأما علي فقد كمل زهده في الدنيا؛ فإن علي رضي الله تعالى عنه كان من أزهد الناس في الدنيا، فلم يكن يعيش إلا كما يعيش سائر فقراء المسلمين في حياته، ولم يكن له مال، وعندما تولى الخلافة لم يأخذ من بيت المال ما يزيد به عن أدنى المسلمين، وعثمان رضي الله تعالى عنه لم يأخذ من بيت المال؛ لأنه كان له مال خاص به، إلا أن علياً -رضي الله تعالى عنهم جميعاً- لم يكمل زهده في المنصب كما كمل زهد عثمان ؛ فقد قاتل من أجل الخلافة، ولا يعني ذلك أن قتاله كان خطئاً، أو كان باطلاً، ولكن المقصود حالة التفاضل العليا.
وأما الشيخان أبو بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما فقد كمل زهدهما في الأمرين معاً، فإنهما إنما بويعا باختيار الأمة، وكان كل منهما يكره ذلك ويدفعه، ولم يكن حريصاً عليه، ولا مريداً له، ثم عاشا عيشة النبي صلى الله عليه وسلم من الزهد، ولهذا أتعبا الخلفاء بعدهما رضي الله تعالى عنهما؛ لأنهم إما أن يكملوا في جانب أو في الآخر، وأما أن يكملوا في الجانبين فهذا صعب لا يحققه كل أحد.